في مواجهة "حقول الموت".. فرق نسوية جزائرية تقود جهود إزالة الألغام
في مواجهة "حقول الموت".. فرق نسوية جزائرية تقود جهود إزالة الألغام
في مشهدٍ نادر يعكس شجاعة استثنائية وقدرة نساء المنطقة على كسر الصور النمطية، تقود فرق نسوية صحراوية في الجزائر جهود إزالة الألغام في المناطق الصحراوية الشرقية المحاذية للجدار العسكري المغربي، المعروف بـ"حزام الموت"، أحد أخطر وأطول حقول الألغام في العالم.
تُجسّد هذه المبادرة غير المسبوقة ليس فقط مساهمة نوعية في العمل الإنساني، بل أيضًا نموذجًا فريدًا للتمكين وبناء مستقبل آمن في ظلّ تحديات أمنية ومناخية قاسية، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم الثلاثاء.
ويمتد الجدار العسكري المغربي على طول 2720 كيلومترًا، مزروعًا بما يقدّر بأكثر من 7 ملايين لغم أرضي من مختلف الأنواع والأحجام، إلى جانب ذخائر عنقودية ومخلفات حربية شديدة الانفجار.
وتشير تقارير المكتب الصحراوي لتنسيق الأعمال المتعلقة بالألغام (SMACO) إلى أن هذا الجدار يمثل أكبر حقل ألغام مستمر في العالم، ويتسبب سنويًا في سقوط ضحايا جدد من الرعاة والبدو والأطفال والنساء، فضلاً عن أفراد الفرق العاملة في نزع الألغام.
في ظل هذه البيئة الملغومة بالخطر، تعمل فرق نسائية ميدانية تطوعية، مثل فريق "النساء الصحراويات لمكافحة الألغام"، في المناطق الصحراوية المحررة، تحديدًا في بلدات مثل بئر لحلو وأمهيريز.
وتشمل مهامهن إزالة الألغام، التوعية المجتمعية، والضغط الدولي من أجل تسليم الخرائط الدقيقة لمواقع الألغام.
عيشة.. امرأة تواجه الموت
تُعد الصحراوية عيشة عبد الودود واحدة من أبرز رموز هذا العمل البطولي، حيث التحقت بالفريق النسائي الصحراوي منذ عام 2019، بعد تلقيها تدريبات على يد خبراء محليين في التوعية وإزالة الألغام.
وقالت عبد الودود في حديثها: "هذا العمل ليس وظيفة، بل التزام إنساني خالص.. الألغام ليست مجرد أجسام معدنية، بل أشباح تهدد حياة الأبرياء في كل لحظة، ونحن هنا لنواجه هذا الخطر، لا لنهرب منه".
وأشارت عيشة إلى أن كثيرًا من زميلاتها في الفريق يعملن في ظروف شخصية صعبة: نساء حوامل في أشهر الحمل الأولى، أخريات يتركن أطفالهن الرضّع في كنف الجدّات، ليذهبن إلى المناطق المجهولة، محفوفات بالأخطار، في محاولة لتطهير الأرض من شبح القتل الصامت.
تحديات وخطر دائم
تعاني هذه الفرق من محدودية الموارد، وقلة وسائل النقل، والعمل في حقول ألغام بلا خرائط، لا سيما تلك التي غيّرت السيول والأمطار مواقعها، ما يصعب من مهام التنظيف.
ورغم ذلك، نجحن في تطهير مناطق شاسعة شرق الجدار، خارج المنطقة العازلة، في غياب كامل للمساعدة الدولية الكافية.
وأوضحت عيشة أن هناك مناطق تحتوي على خرائط واضحة للألغام، مما يسهل التعامل معها، لكن الأغلبية لا تزال مجهولة الموقع، وتنجرف بفعل الرياح أو الأمطار نحو مناطق قريبة من التجمعات السكنية، ما يعيد خطر الانفجار إلى قلب حياة المدنيين.
ضحايا على جانبي الجدار
وفقًا لبيانات SMACO، بلغ عدد ضحايا الألغام نحو 6000 ضحية، بين قتيل وجريح، بينهم رعاة ومزارعون، وأطفال كانوا يلعبون أو يبحثون عن الحطب.
وبعض هذه الحالات أُصيبت بعاهات دائمة، ويعيش الضحايا في عزلة اجتماعية بسبب غياب برامج دعم نفسي وإدماج فعّالة.
ولم تسلم فرق إزالة الألغام من الخسائر، فقد سجلت حالات إصابات بتر أو وفاة لعناصر أثناء تفكيك الألغام أو بسبب انفجار مفاجئ في مناطق غير ممسوحة.
نداء إلى العالم
في ختام حديثها، وجّهت عيشة عبد الودود نداءً إلى المنظمات الدولية المعنية بنزع الألغام، قائلة: "ندعو الدول والمنظمات للضغط على المغرب لتسليم خرائط الألغام والانضمام إلى معاهدتي أوتاوا وأوسلو، ومنح المنظمات الدولية صلاحية العمل داخل المناطق المحتلة والمناطق العازلة، لأن الألغام لا تفرّق بين جندي ومدني، ووجودها يُشكّل خطرًا وجوديًا على حلم السلام والاستقرار".
يرى مراقبون وممثلو منظمات إنسانية أن استمرار وجود الألغام يشكّل عائقًا حقيقيًا أمام جهود التنمية، ويقوّض محاولات استعادة الحياة الطبيعية في الصحراء الغربية. فالأراضي المزروعة لا تصلح للزراعة، والرعي فيها محفوف بالموت، والبنى التحتية لا تُبنى في مناطق يُحتمل وجود متفجرات فيها.
ولذا، يُنظر إلى المبادرة النسوية الجزائرية هذه كأداة مزدوجة: أولاً، تطهير الأرض، وثانيًا، تحفيز المجتمع المحلي والدولي لمناصرة قضية نزع الألغام كحق إنساني وشرط أساسي لأي تسوية سياسية مستدامة.
نساء يكسرن حاجز الصمت
تكشف هذه المبادرة عن إرادة النساء الصحراويات، لا فقط في التحدي، بل في تغيير المشهد الأمني والاجتماعي في الصحراء، إذ يحملن أدوات كشف الألغام في يد، ويحملن قضاياهن وهموم شعبهن في اليد الأخرى، في مشهد يكشف بوضوح أن المرأة الصحراوية اليوم ليست فقط ضحية للحرب، بل فاعلة في صناعة السلام.